وباء انفلونزا الطيور الذي يجتاح هذه الايام دولاً عديدة منها المملكة، بات حديث الناس والمجالس الاجتماعية، وقد لاحقت الصحف المحلية اخبار انتشار هذا الوباء وضحاياه من الطيور، وآخر اخبار مكافحته، بيد ان “الدين والحياة” ارتأى تناول هذا الوباء من الناحية الشرعية، وما هو موقف الفقهاء والمختصين الشرعيين تجاه شيوع هذه الاوبئة، وكيف تعامل فقهاؤنا المسلمون عبر تاريخنا الاسلامي مع مثل هذه الاوبئة، التي تعصف بالشعوب بين وقت وآخر، بالحديث والفتيا، مع توضيح الرأي الشرعي حيال حرق هذه الطيور، وهل يتعارض ذلك مع النهي النبوي في حرق الكائنات الحية، وقد استضفنا مجموعة من الشرعيين والباحثين عبر هذا الاستطلاع:
د. عبدالرحمن بن احمد الجرعي الباحث الشرعي والاستاذ المشارك بجامعة الملك خالد علق حول مسألة حرق الطيور بقوله: يظهر لي انه لا مانع من التخلص من هذه الطيور حرصاً على سلامة الانسان من خطر قاتل وكارثة بيئية وشيكة، وهذا الفعل مشروع تطبيقاً للقاعدة الفقهية المعروفة “يرتكب اخف الضررين لدفع اعظمهما” والتي استمدها الفقهاء من مجموعة نصوص شرعية ولا شك ان في هذه الدواجن ثروة كبيرة، كما ان اتلافها سواء اكان بالحرق- وهو منهي عنه- او كان بالدفن لاشك ان ذلك مفسدة، لكن مفسدة انتشار الوباء والامراض اكبر، وحرمة نفس الانسان اولى من نفس الحيوان، ثم ان دفنها او احراقها- حسب ما يقتضيه الامر- ليس عبثا، بل هو لمصلحة عامة.
الاتلاف على قدر الحاجة
لكنني انبه هنا على ان يقتصر الاتلاف على ما تقتضيه الحاجة- التي يقررها المختصون- ولا يزاد عليها، فالحاجة تقدر بقدرها. وقد روى ابوهريرة كما جاء في صحيح البخاري ومسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “نزل نبي من الانبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم امر ببيتها فأحرق بالنار فأوحى الله اليه فهّلا نملة واحدة”.. قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث ان هذا النبي انما عاتبه الله حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع آذاه منه واحد، وكان الاولى به الصبر والصفح, وكأنه وقع له ان هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة بني آدم اعظم من حرمة الحيوان، فلو انفرد هذا النظر ولم يأت اليه التشفي لم يعاتب.
حرق الطيور بالنار
اما الباحث الشرعي د. نايف الحمد فإنه علق من جانبه على جزئية حرق الطيور بالنار بقوله: في هذا الوقت الذي شهد انتشاراً للامراض والاوبئة كالانفلونزا مما تسبب في نفوق اعداد هائلة من الطيور والحيوانات بسبب سرعة تفشي المرض فيها، ولذلك لجأت كثير من الدول الى قتل هذه الحيوانات او الطيور احراقاً بالنار خاصة حتى لا يسري المرض الى غيرها، وللقضاء على الفيروس المسبب لهذا المرض والسؤال الذي يطرح نفسه ما حكم قتل هذه الطيور احراقاً بالنار فأنا ارى بجواز احراق الحيوانات والطيور النافقة او المذبوحة بالنار لانتفاء علة التعذيب في ذلك، ودخولها تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الاحسان على كل شيء. فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة. واذا ذبحتم فاحسنوا الذبح. وليحد احدكم شفرته. فليرح ذبيحته) واما قتلها احراقاً بالنار فهي اما ان يكون عددها محدودا يسهل السيطرة عليه وحصره من غير مشقة فهو لايجوز احراقها بالنار قبل قتلها عند اكثر اهل العلم، لعموم الادلة الناهية عن ذلك منها ما اثر عن النبي الكريم في التشديد على انه لا يعذب بالنار الا رب النار واما ان كان يخشى انتقال المرض لغيرها بسرعة لا يمكن معه ذبحها على الطريقة الشرعية، فهنا يجوز قتلها بالنار، او بغيرها من الطرق المناسبة للقضاء على هذا الداء، فمقصد حفظ ارواح الناس التي جاء الشرع بحفظها والتحذير من ازهاقها بلا حق مقدم على رعاية هذا الجانب (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).
الحرق للحماية
واضاف الحمد في بحث خاص له نشر في (الاسلام اليوم) الاظهر في هذه النازلة هو جواز احراق هذه الطيور بالنار، وليس المراد من فعل هذا الامر التعذيب ليشمله النهي، بل المراد حماية الناس من ضررها، وحفظ حياتهم من خطرها، ومراعاة هذا المقصد مقدم على ما دونه في حال تعارضهما، لذا على الاخوة الكرام عدم التعرض للفرق القائمة بذلك والتشنيع عليهم.
دور سلبي
د. فهد بن سعد الجهني استاذ الدراسات العليا الشرعية بكلية الشريعة بجامعة الطائف قال: انه من المعلوم من شريعة الله تعالى انه ما من خير الا وحثت عليه وما من شر الا وحذرت منه، وما يحدث للناس من مصائب وامراض ليس شرطاً ان يأتي النص عليها بأعيانها في الشرع او في كلام الفقهاء، وانما تجدّ هناك قواعد واحكام كلية تعين على فهم الواقع الجديد، وما يحدث للناس من اوبئة تصيب اموالهم او مزارعهم او بهائمهم فان الشريعة التي هي عدل كلها راعت هذا الامر ورتبت عليه احكاماً خاصة، حيث تحدث اهل الفقه عما يصيب الرجل في ماله أياً كان نوع هذا المال حادثة قضت عليه او على معظمه وسميت كما جاء في الحديث بالجوائح، ومن احكامها ان الشريعة راعت الشخص المصاب فلو باع بيعاً ثم اصابته آفة سماوية قبل تسليمه للمشتري فانه يجب مراعاته بما يسمى وضع الجائحة، والاصل في ذلك ما ورد في الحديث (لو بعت من اخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك ان تأخذ منه شيئاً) رواه مسلم.
وخلاصة هذا القول انه مما جاء به الشرع مراعاة امثال اصحاب مزارع الدواجن التي اصابتهم هذه الجوائح والتخفيف من خسارتهم المادية.
للطيور حقوق
اما ما يتعلق باتلاف هذه الطيور المصابة بهذا المرض فالاصل الشرعي هو عدم جواز قتل الطيور والبهائم بدون وجه حق الا ما جاء النص بمشروعية قتله، فلهذه الطيور والحيوانات حق في الحياة ومنع الأذى عنها بل قد جاء عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قوله (ما من انسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها الا سأله الله عنها؟ قيل يا رسول الله وماحقاها؟ قال: يذبحها ويأكلها) ومعنى الحديث والله اعلم انه لا يجوز القتل دون حاجة كالاكل مثلاً، وهذه الطيور المصابة اصبحت عديمة الفائدة وضرر وجودها اعظم من منفعة بقائها ومن مقاصد الشرع (حفظ النفوس) وكل وسيلة تؤدي الى الخلل بهذا المقصد العظيم فانها تكون ممنوعة ففي قتلها حماية وصيانة لارواح الخلق وصحتهم وهذا امر واجب بلا شك، ولكن لا يجوز القتل الا اذا كان هو الوسيلة الضرورية والوحيدة فإن كان من الممكن دفع الأذى بما هو دون ذلك تعين ذلك.
للاعلام دور
والذي أرى انه من الضروري التنبيه عليه في هذا المقام، ومن وحي هذه النازلة، هو تقوية الايمان بقضاء الله وقدره وان ما يصيب المسلم من بلاء انما هو بقدر من الله ولهذا القدر اسباب منها ذنوبه ومخالفته لاوامر الله ومنهجه ومنها الطغيان الذي يحصل عند البعض فيستغني بماله او قوته فيحتاج لمن يذكره بالله وقدرته ومن هنا يأتي دور العلماء والتربويين واصحاب الاقلام النيرة ليذكروا الناس بهذه المعاني الشرعية، وختاماً اقول: ان الاعلام له دور كبير في هذا الموضوع وألاحظ انه يقوم بدور سلبي من حيث ارعاب الناس وتخويفهم والمبالغة احياناً في تصوير مثل هذه القضايا، وكذلك للجهات المعنية كوزارتي الصحة والزراعة دور في توعية الناس وتقديم التقارير السليمة والصادقة عن الاسباب والخسائر.
د. عبدالرحمن بن احمد الجرعي الباحث الشرعي والاستاذ المشارك بجامعة الملك خالد علق حول مسألة حرق الطيور بقوله: يظهر لي انه لا مانع من التخلص من هذه الطيور حرصاً على سلامة الانسان من خطر قاتل وكارثة بيئية وشيكة، وهذا الفعل مشروع تطبيقاً للقاعدة الفقهية المعروفة “يرتكب اخف الضررين لدفع اعظمهما” والتي استمدها الفقهاء من مجموعة نصوص شرعية ولا شك ان في هذه الدواجن ثروة كبيرة، كما ان اتلافها سواء اكان بالحرق- وهو منهي عنه- او كان بالدفن لاشك ان ذلك مفسدة، لكن مفسدة انتشار الوباء والامراض اكبر، وحرمة نفس الانسان اولى من نفس الحيوان، ثم ان دفنها او احراقها- حسب ما يقتضيه الامر- ليس عبثا، بل هو لمصلحة عامة.
الاتلاف على قدر الحاجة
لكنني انبه هنا على ان يقتصر الاتلاف على ما تقتضيه الحاجة- التي يقررها المختصون- ولا يزاد عليها، فالحاجة تقدر بقدرها. وقد روى ابوهريرة كما جاء في صحيح البخاري ومسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “نزل نبي من الانبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم امر ببيتها فأحرق بالنار فأوحى الله اليه فهّلا نملة واحدة”.. قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث ان هذا النبي انما عاتبه الله حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع آذاه منه واحد، وكان الاولى به الصبر والصفح, وكأنه وقع له ان هذا النوع مؤذ لبني آدم وحرمة بني آدم اعظم من حرمة الحيوان، فلو انفرد هذا النظر ولم يأت اليه التشفي لم يعاتب.
حرق الطيور بالنار
اما الباحث الشرعي د. نايف الحمد فإنه علق من جانبه على جزئية حرق الطيور بالنار بقوله: في هذا الوقت الذي شهد انتشاراً للامراض والاوبئة كالانفلونزا مما تسبب في نفوق اعداد هائلة من الطيور والحيوانات بسبب سرعة تفشي المرض فيها، ولذلك لجأت كثير من الدول الى قتل هذه الحيوانات او الطيور احراقاً بالنار خاصة حتى لا يسري المرض الى غيرها، وللقضاء على الفيروس المسبب لهذا المرض والسؤال الذي يطرح نفسه ما حكم قتل هذه الطيور احراقاً بالنار فأنا ارى بجواز احراق الحيوانات والطيور النافقة او المذبوحة بالنار لانتفاء علة التعذيب في ذلك، ودخولها تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الاحسان على كل شيء. فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة. واذا ذبحتم فاحسنوا الذبح. وليحد احدكم شفرته. فليرح ذبيحته) واما قتلها احراقاً بالنار فهي اما ان يكون عددها محدودا يسهل السيطرة عليه وحصره من غير مشقة فهو لايجوز احراقها بالنار قبل قتلها عند اكثر اهل العلم، لعموم الادلة الناهية عن ذلك منها ما اثر عن النبي الكريم في التشديد على انه لا يعذب بالنار الا رب النار واما ان كان يخشى انتقال المرض لغيرها بسرعة لا يمكن معه ذبحها على الطريقة الشرعية، فهنا يجوز قتلها بالنار، او بغيرها من الطرق المناسبة للقضاء على هذا الداء، فمقصد حفظ ارواح الناس التي جاء الشرع بحفظها والتحذير من ازهاقها بلا حق مقدم على رعاية هذا الجانب (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً).
الحرق للحماية
واضاف الحمد في بحث خاص له نشر في (الاسلام اليوم) الاظهر في هذه النازلة هو جواز احراق هذه الطيور بالنار، وليس المراد من فعل هذا الامر التعذيب ليشمله النهي، بل المراد حماية الناس من ضررها، وحفظ حياتهم من خطرها، ومراعاة هذا المقصد مقدم على ما دونه في حال تعارضهما، لذا على الاخوة الكرام عدم التعرض للفرق القائمة بذلك والتشنيع عليهم.
دور سلبي
د. فهد بن سعد الجهني استاذ الدراسات العليا الشرعية بكلية الشريعة بجامعة الطائف قال: انه من المعلوم من شريعة الله تعالى انه ما من خير الا وحثت عليه وما من شر الا وحذرت منه، وما يحدث للناس من مصائب وامراض ليس شرطاً ان يأتي النص عليها بأعيانها في الشرع او في كلام الفقهاء، وانما تجدّ هناك قواعد واحكام كلية تعين على فهم الواقع الجديد، وما يحدث للناس من اوبئة تصيب اموالهم او مزارعهم او بهائمهم فان الشريعة التي هي عدل كلها راعت هذا الامر ورتبت عليه احكاماً خاصة، حيث تحدث اهل الفقه عما يصيب الرجل في ماله أياً كان نوع هذا المال حادثة قضت عليه او على معظمه وسميت كما جاء في الحديث بالجوائح، ومن احكامها ان الشريعة راعت الشخص المصاب فلو باع بيعاً ثم اصابته آفة سماوية قبل تسليمه للمشتري فانه يجب مراعاته بما يسمى وضع الجائحة، والاصل في ذلك ما ورد في الحديث (لو بعت من اخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك ان تأخذ منه شيئاً) رواه مسلم.
وخلاصة هذا القول انه مما جاء به الشرع مراعاة امثال اصحاب مزارع الدواجن التي اصابتهم هذه الجوائح والتخفيف من خسارتهم المادية.
للطيور حقوق
اما ما يتعلق باتلاف هذه الطيور المصابة بهذا المرض فالاصل الشرعي هو عدم جواز قتل الطيور والبهائم بدون وجه حق الا ما جاء النص بمشروعية قتله، فلهذه الطيور والحيوانات حق في الحياة ومنع الأذى عنها بل قد جاء عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قوله (ما من انسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها الا سأله الله عنها؟ قيل يا رسول الله وماحقاها؟ قال: يذبحها ويأكلها) ومعنى الحديث والله اعلم انه لا يجوز القتل دون حاجة كالاكل مثلاً، وهذه الطيور المصابة اصبحت عديمة الفائدة وضرر وجودها اعظم من منفعة بقائها ومن مقاصد الشرع (حفظ النفوس) وكل وسيلة تؤدي الى الخلل بهذا المقصد العظيم فانها تكون ممنوعة ففي قتلها حماية وصيانة لارواح الخلق وصحتهم وهذا امر واجب بلا شك، ولكن لا يجوز القتل الا اذا كان هو الوسيلة الضرورية والوحيدة فإن كان من الممكن دفع الأذى بما هو دون ذلك تعين ذلك.
للاعلام دور
والذي أرى انه من الضروري التنبيه عليه في هذا المقام، ومن وحي هذه النازلة، هو تقوية الايمان بقضاء الله وقدره وان ما يصيب المسلم من بلاء انما هو بقدر من الله ولهذا القدر اسباب منها ذنوبه ومخالفته لاوامر الله ومنهجه ومنها الطغيان الذي يحصل عند البعض فيستغني بماله او قوته فيحتاج لمن يذكره بالله وقدرته ومن هنا يأتي دور العلماء والتربويين واصحاب الاقلام النيرة ليذكروا الناس بهذه المعاني الشرعية، وختاماً اقول: ان الاعلام له دور كبير في هذا الموضوع وألاحظ انه يقوم بدور سلبي من حيث ارعاب الناس وتخويفهم والمبالغة احياناً في تصوير مثل هذه القضايا، وكذلك للجهات المعنية كوزارتي الصحة والزراعة دور في توعية الناس وتقديم التقارير السليمة والصادقة عن الاسباب والخسائر.